[center][center]*** اليتيمـــة ***
تُصنّف قصيدة (اليتيمة) على إنها من روائع ما قِيل في الشعر العربي.. وسُميّت بأسماء أخرى منها (دعد) و (هند)، وهذه القصيدة لها قصةٌ جميلةٌ ايضاً.
وقِصتُها عن أميرة (أو ملكة) في اليمن، دَعَت الشعراء مِمن يتمتعون بالفصاحةِ والبلاغة إلى التباري في مدحِها ووصفِها، فقد كانت رائعةَ الجمال.. فصيحةَ اللغة.. بليغةَ المنطق، على أن تتزوج صاحبَ أجودَ وأجملَ قصيدةٍ في وصفها.
إستحثّ ذلك قرائحَ الشعراء، ونظـموا فيها قصائدهم فلم يُعجبها منها شيء، وشاع خبرُها في أنحاء الجزيرةِ العربية، إلى أن جاء أحد الشعراء، وكان قد عَرف جمال الملكة، فنظم لها قصيدةً جميلةً جداً تصف الأميرة مِن رأسِها إلى أخمصِ قدميها.
وبينما هو في طريقه إلى اليمن، قابله شخصٌ وصاحَبَه في سفره، وحين سأله عن وجهته، قال الشاعر بأنه ذاهبٌ ليعرضَ قصيدته على الملكة.. ثم قرأ القصيدة أمامه، فأُعجب بها هذا الغريب أيما إعجاب.
وفي الليل قامَ الشخص الغريب بقتلِ هذا الشاعر وأخذ قصيدته وتوجّه بها إلى الأميرة، وقصد ديار الملكة اليمنية ليلقيها بين يديها لعلها تكون سبباً للفوز بقلبِها والزواجِ منها وهو الهدف المنشود.
وقف صاحبنا بين يدي الملكة وأخذ يلقي عليها القصيدة، ولكن المفاجأة كانت عندما أنشد البيت:
(( إن تتهمي فتهامةٌ وطني أو تنجدي يكن الهوى نجدُ ))
حينها صرخت الأميرة ( وا بعلاه.. وا بعلاه.. لقد قتل هذا الرجل زوجي المرتقب ) وتجمّع الحرس والحاشية وأخذوا يستفهمون ويتساءلون: ما الخبر ؟؟؟ فشرحت لهم أن شاعِرها مِن تهامة لقوله (إن تتهمي فتهامة وطني) ... بينما مُنشدها مِن نجد حسب ما يوحي لسانه بذلك والشطر الثاني من البيت!!! ... فأمسكوا بالرجل المنشد وضيّقوا عليه الخناق ... فاعترف بما حدث فقتلوه.
وللأسف لم يكن يُعرف إسم شاعر القصيدة الحقيقي قبل قتله ... ولذا لم يعرف لها قائل مؤكد ... وقيل بأن قائلها هو سعيد بن حميد المكنى بـ (دوقلة المنبجي)
جمعتُ لكم أبيات القصيدة مِن أكثر من مصدر ورايت أن هناك أبياتا (ربما) كانت دخيلةً على القصيدة الاصلية ولذلك لونتها (بلون مغاير)... كما وأوردتُ لكم معاني بعضٍ من مفردات القصيدة في نهايتها.
اليــتيمة
هل بالطُلـولِ لسائلٍ ردُّ ؟؟ أمْ هَل لها بتكلُّـمٍ عَهْــدُ
أبلى الجديدُ، جديدُ مَعهدِها فكأنما هي رَيطَـةٌ جُــرْدُ
مِن طولِ ما تَبكي الغيومُ على عَرَصاتِها ويُقَـهقِـهُ الرَعْدُ
وتلُثُّ ساريةٌ وغاديـــةٌ ويَكُرُّ نحسٌ خلْـفُُهُ سَعْــدُ
تلقاءَ شآميــةٍ يمانيـــةٍ لهُما بِمورِ تُرابِـها سَــرْدُ
فكَسَتْ بَواطِنَها ظواهِرَهـا نُوراً كأن زُهــاءَهُ بُـرْدُ
يَغدو فَيَسدِي نَسجُهُ حَدِبٌ واهِي العُرى ويُنيــرُهُ عَهْدُ
فَوقَفتُ أسألُهاوليسَ بهــا إلا المَهـا ونَقانِـقٌ رُبْــدُ
ومُكَـدّمٌ في عانَـةٍ جَـزَأتْ حتى يُهَيِّجَ شَأوَهـا الـوِرْدُ
فتَناثَرتْ دُررُ الشُّؤونِ عـلى خَدّي كما يَتناثَـرُ العِقْـدُ
أو نَضْجُ عَزلاءِ الشَّعيبِ وقَد راحَ العَسيفُ بِمِلئها يَـعْدو
لَهفِي على (دَعدٍ) وما حَفَلتْ بالاً.. بحرِّ تلهّــفِي دَعْـدُ
بَيضاءُ قَـد لَبِسَ الأديمُ بـَــــهاء الحُسنِ.. فهُو لجِلـدِها جِلدُ
ويَزينُ فَـوْديْها إذا حَسَرتْ ضَافي الغَدائرِ.. فاحِمٌ جَعْـدُ
فالوجـهُ مِثلُ الصُّبحِ مُبيضٌّ والشَعرُ مِثلُ اللّيلِ مُسـوَدُّ
ضِدّانِ لما استَجمَعا حَسُنـا والضِدُّ يُظهرُ حُسنَهُ الضِـدُّ
وجَبينُها صَلتٌ وحاجِبُهــا شَختُ المَخَطِّ أزَجُّ مُمتَــدُّ
فكأنهــا وَسنَى إذا نَظرَتْ أو مُدنَفٌ لـمَّـا يُفِق بَعْـدُ
بِفُتورِ عَين ٍ مـا بهـا رَمَـدٌ وبها تُـداوى الأعينُ الرُّمْـدُ
وتُريكَ عِرنيناً به شَـــمَمٌ وتُريكَ خَداًّ لونُــهُ الوَرْدُ
وتُجيـلُ مِسْواكَ الأراكِ على رَتل ٍ كأن رِضابَهُ الشَهْــدُ
والجِيدُ مِنها.. جِيدُ جازِئــةٍ تَعطو إذا ماطالـــها المَرْدُ
وكأنما سُقيَــتْ تَرائِــبُها والنَّحرُ ماءُ الوَردِ إذْ تَبـدُو
وامتَدَّ مِن أعضَادِهـا قَصَبٌ فَعْمٌ زَهتهُ مَرافِـــقٌ دُرْدُ
والصَدرُ مِنها قَــد يُزيّـنُهُ نهدٌ كحـقِّ العاجِ إذْ يَبـدُو
والمعصَمانِ، فما يُرى لهُمــا مِن نِعمَةٍ وبضاضةٍ زَنـْــدُ
ولها بَنانٌ، لـــو أرَدتَ لهُ عَقداً بِكفِّـكَ أمكَنَ العَقْـدُ
وبِصدرِها حُقَّـان خِلْتَهُـما كافورتَيـْن عَلاهُمـا نَـدُّ
والبَطنُ مَطـويٌّ كما طُوِيتْ بِيـضُ الرِياطِ يَصونها المَـلدُ
وبِخَصرِها هَيَـفٌ يُزيِّـنُـهُ فإذا تَنوءُ.. يَكادُ يَنقَـــدُّ
والتَفَّ فَخذاها وفَوقَهُمــا كَفَلٌ يُجاذِبُ خَصرَها نُهْـدُ
فَقِيامُهــا مَثنىً إذا نَهضَتْ مِن ثقلِهِ، وقُعودُها فَـــرْدُ
والساقُ خَرعَبةٌ مُنعّمَــةٌ عَبَلَت فطَوْقُ الحِجلِ مُنسَـدُّ
والكَعبُ أدرَمُ لا يَبيـنُ لهُ حَجمٌ، وليسَ لرأسِهِ حَــدُّ
ومَشَتْ على قَدمَينِ خُصِّرتا والتفّتـا.. فتكَاملَ القَــدُّ
ما عَابها طُولٌ ولا قِصَــرٌ في خَلقِهـا.. فَقَوامُها قَصْـدُ
إنْ لم يكُنْ وَصلٌ لديكِ لنـا يَشفي الصَّبابةَ.. فليكُنْ وَعْدُ
قَد كانَ أورَقَ وصلُكُم زَمناً فَذَوى الوِصالُ وأورَقَ الصَّدُ
لله أشواقي إذا نَزحَـــتْ دَارٌ بِنا.. ونَأى بِكُم بُعْــدُ
إنْ تَـتْهمي.. فتـُهامةٌ وطني أو تنْجدي.. يكُنْ الهوى نَجْدُ
وزَعمتِ أنكِ تُضْمرينَ لنـا وُداًّ... فهلاّ ينَفعُ الـــوِدُّ
وإذا المحبُّ شَكا الصُدودَ ولم يُعْطَفْ عليه فَقتلُـهُ عَمْــدُ
نختصُّها بالود.. وهي علـى مَا لا نُحبُّ.. فهكذا الوَجْـدُ
أو ما ترى طِمــرَيَّ بينَهُما رَجُلٌ ألـحَّ بهزلـِـهِ الجَـدُّ
فالسيفُ يقطَعُ وهُو ذو صِدءٍ والنَّصلُ يَعلو الهامَ لا الغِمْـدُ
هل تَنفَعَنّ السيفَ حِليتـُـهُ يومَ الجلادِ إذا نَبا الحـَــدُّ
ولقد علِمتِ بأننــي رجُلٌ في الصالحاتِ أروحُ أو أغدو
سلمٌ على الأدنى ومرحمــةٌ وعلى الحوادثِ هـادنٌ جَلدُ
متجلْبِبٌ ثوبَ العفافِ وقـد غفلَ الرقيبُ وأمكـنَ الوِردُ
ومجانبٌ فعلَ القبيحِ وقــد وصل الحبيب وساعد السعد
منَعَ المطــامِعَ أن تُثلِّمنـي أني لِمعولِها صفاً صلـــدُ
فأظـلُّ حُراً مِن مَذلـّتِـها والحـرُّ حينَ يُطيعُها عَبــدُ
آليتُ أمدحُ مُقرِفــاً أبداً يبقى المديـحُ ويذهبُ الرّفدُ
هيهاتَ يأبى ذاكَ لي سَلَـفٌ خَمَـدوا ولم يخمـدْ لهم مجدُ
فالجَدُّ كِنـدة.. والبنون همو فزكا البنون وأنجــبَ الجَدُّ
فلئِنْ قَفوتُ جميـلَ فِـعلهمُو بذميم ِ فِعلي.. إنني وَغــدُ
أجمِلْ إذا حاولتَ فـي طَلَبٍ فالجِـدُّ يُغنِـي عنكَ لا الجَدُّ
وإذا صبرتَ لِجُهدِ نازلــةٍ فكأنه ما مسَّـكَ الجَهــدُ
وطريـدِ ليلٍ.. قَـادهُ سَغَبٌ وَهناً إليَّ.. وساقَـهُ بــردُ
أَوسَعتُ جَهدَ بشاشـةٍ وقِرىً وعلى الكَرِيمِ لِضَيفِهِ الجُهـدُ
فَتَصرَّمَ المَشتِـي ومَنــزلُهُ رَحبٌ لَديّ وعَيشُهُ رَغــدُ
ثُمّ انثَـنى ورِداؤهُ نِـعــمٌ أسديتُها.. ورِدائيَ الحَمــدُ
لِيكنْ لديكِ لسائلٍ فَــرَجٌ أو لم يكنْ.. فليحسن الـردُّ
يا ليتَ شِعريَ بعدَ ذلـكُمُو ومحارُ كلِّ مُؤمّـلٍ لَحــدُ
أصَريعُ كَلمٍ أم صريعُ ردى أودَى.. فليسَ مِنَ الردى بُدُّ
[/center]