"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
وقفت...أمام معلم البشرية...ومربي الإنسانية... خاشعا...صامتا...متأملا...حارت حروفي...وتلعثمت خواطري...
حاولت أن ألملم ما تبعثر...وأهمس بصمت...في قلوب الحب...
إنما...
لم يقل "بعثت" وإنما قال "إنما بعثت..."
إنما في لغة العرب تفيد الحصر والقصر...
يعني عندما تقول إنما جئتك لأزورك...فكأنك تقول: جئتك لأزورك وأزورك فقط...ليس لمجيئي من هدف آخر إلا زيارتك...فقط...
فكأنه صلى الله عليه وسلم...يقول ما بعثني الله عز وجل ...إلا لأتمم مكارم الأخلاق...ولأتمم مكارم الأخلاق فقط...
فلو أني سألت الناس من حولي...أكمل الحديث..."إنما بعثت...." واذكر أهم شيئ في نظرك بعث لأجله المصطفى لذكر الناس أصولا وقواعد وأمورا كثيرة...
ولكنه قال "....لأتمم مكارم الأخلاق"
لأتمم...
لم يقل "جئتكم بشيئ جديد"...إنما قال ..."لأتمم"
فكأنه يقول جئت لأكمل ما بدأه غيري ولأتمم ما ذكره من قبلي...
فمكارم الأخلاق ليست حكرا على أمة دون أمة...ولا بشرا دون بشر...ولا جنس دون جنس...ولا لغة دون لغة...
مكارم الأخلاق هي لغة الإنسان...كل إنسان...على مدار العصور...وعلى مر الدهور... يفهمها الصغير والكبير...يفهمها الغني والفقير...يفهمها الساقي والأمير...يفهمها العامي ومن كان في البلاغة مثل جرير...
وما يميز الإنسان...عن غير الإنسان...هي مكارم الأخلاق...
مكارم...
الله...الله...الله... ما أرقى هذه الكلمة...وما أحلى شهد معانيها...
لم يقل "إنما بعثت لأتمم الأخلاق..."
إنما قال "...مكارم...الأخلاق..."
فليست الأخلاق هنا هي المقصودة...إنما مكارمها...أي أعلى درجاتها...وأرقى منازلها...
فأن تتحلى بالأخلاق...أمر رائع...
لكن أن تتحلى بمكارم الأخلاق...فتلك حكاية أخرى...لا يطيقها إلا الكبار...تغرد لرقيها الأطيار...وتنثر في القلوب عطرا وأزهار...
وأختم هذه الأزهار...بحديث يضيئ للإنسان...أنوار القلوب والأرواح...
"أحب الناس إلى الله أنفعهم
و أحب الأعمال إلى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا
و لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا
و من كف غضبه ستر الله عورته
و من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة
و من مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام
و إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل"