الشباب و حمى الموضة !!
باتَ الخروجُ بنفس اللباس الذي ارتداه الشاب بالأمس منقصة.. وكانت مثل هذه الحالة ـ فيما مضى ـ مقتصرة على الفتيات.. حيث يتحرّجن من الذهاب إلى مكان عام بثوب سبق لصديقاتهنّ أو رأينهنّ يرتدينه ذات مرّة.. وكم أوقعت هذه الحالة المؤسفة بعض الفتيات في المحذور حتى يتسنّى لهنّ أن يتباهين بملابسهنّ وزينتهنّ الفاخرة والجديدة في كلّ مجلس، وهنّ لا يرتدينها إلاّ مرّة واحدة فقط، أو بضع مرّات!
انتقال الظاهرة إلى الشبّان بدرجة أو بأخرى، يعني فيما يعنيه أنّ الانكباب على المظهر بات يشكِّل هاجساً مقلقاً، وعبئاً مالياً إضافياً، و(قيمة) بحدّ ذاته.
أمّا الذي ينبري للقول:
ليس الجمالُ بأثواب تزيّننا***إنّ الجمالَ جمالُ العلمِ والأدبِ
فقد لا يتهم بالتخلّف والرجعيّة، بل قد يرجم بالحجارة!
الغريب أنْ لا بعض الشبان ولا بعض الفتيات يعرفون أنّ الجمال المستعار، أو الزينة الظاهرية، مهما بدا ثميناً وجذّاباً، لا يعادل الجمال الحقيقي في قيمة أخلاقية أو علمية، أو خصلة حسنة، أو سلوك قويم يتمتع به الشاب أو الفتاة.
تهافت غريب، وتكالب عجيب على أسواق الموضة، ومحلاّت الموضة وبرامج الموضة.. يدعونا كشبّان واعين متنورين أن نعيد النظر فيما يقلب النظر أو يصرفه عن الوجهة التي يُفترض أن ينظر إليها..
الملابس ـ على أنّها زينة ـ لكنّ التكلّف الباذخ فيها يشير إلى ضعف عقليّ، وخطأ في الحساب، وتقدير لما هو مقدّر بدرجة معيّنة بأكثر ممّا يستحق وإضعاف ما يستحقّ، ألم يقل ذلك الحكيم: «لا تنخدع باللباس أو المظهر، فمن أراد البحث عن اللؤلؤ فليغص إلى الأعماق»!
قد يكون للباس ـ أحياناً ـ أثر سلبيّ على الأخلاق، ولهذا حُرّم لبس الحرير والذهب على الذكور لأنّها مدعاة للخيلاء والتبختر والتعالي، والمربيّ الاسلاميّ يسعى لإبعاد الشاب المسلم عن حالات الميوعة والبطر والاغترار بالقشور.
كما أنّ للملابس الرثّة تأثيراً نفسياً سلبياً على لابسها، لذلك كان التأكيد على نظافة اللباس حتى ولو كان عتيقاً.
نرجو أن لا يُفهم من هذا أنّنا نريد أن يخرج شبابنا بهيئة مزرية وهندام مهمل.. أبداً، وإنّما التحذير من شدّة الانشداد إلى المظهر والتكالب عليه بما نتناس معه أنّ هناك جوهراً أجدر بالتجميل والتكميل، أو على الأقل أن نوليه من اهتمامنا ما نوليه من لباسنا:
(يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً، ولباس التقوى ذلك خير)((12)).
ملاحظـة:
هناك خدعة تجارية نُلفت النظر إليها.. ليس هناك لباس (حيّ) وآخر (ميت).. فمصمّموا الأزياء اخترعوا هذه (الكذبة) أو الأكذوبة حتى يروّجوا لبضائعهم الجديدة، وإلاّ فالواقع يكذِّبهم، بدليل أنّهم يعودون بين فترة وأخرى للموضات القديمة، بل إنّ الموضة القديمة تسير جنباً إلى جنب الموضة الجديدة..
والغريب أن أحداً لم يلتفت إلى كذب هؤلاء ليفضحهم، أو يحذر ـ على الأقل ـ من خدعهم وألاعيبهم، فقد يُنتجون أشياء بشعة أو مقرفة.. لكنّ الاقبال عليها يجعلها «جميلة» في نظر المخدوعين والمخدوعات ممّن يلهثون وراء الموضة والتقليعات..
إنّنا نربأ بشباننا وفتياتنا أن يُستدرجوا بهذه الطرق التجارية والدعائية المبتذلة..