الشيخ ياسين ... رجل الصمت المليء بالحروف
قلم/ غسان مصطفى الشامي
نَقبت بكنوزي وأخرجت لآلئي من قاع بحر الكَلم .. واختلست من السماء سحابة عابرة، لتُغرد طيور أفكاري في حَياةِ هذا الشَيخ وروعةِ فكره الرشيد.. كَيف ارسم مِن هذه الكَلمات .. قصةً بسيطةً.. وحدثاً جميل .. فحياة الإمام الياسين ملئ بالعبرِ والمواقفِ الجمةِ .. كيف لا .. فهو صاحب الفِكر الشامخ والرسالة العَظيمة، والمَبادئ المُثلى، قَلّبت ذكرياتي لأحدثكم عن هذا الشيخ الجيل ..
* تَمر عَلينا ذكرى استشهاده لتَتَعطر أذاننا وأسماعنا و أروحنا بسيرةِ صَحابها، لنَتَذكر القوة والهِمة والأمل الكبير في صاحب الجسد العليل، والفكر الرشيد ... عبقرية الشيخ الجليل تجلت في كلِ شيءٍ في الفِكر والإِدارة والسِياسة، والسُجون وآلامِ الأسر، إنها ذِكرى تُجدد الحماسة في أرواح الشباب، والعمل والإخلاص، عندما كان الشيخ الجليل يتنقل على دراجته الصغيرة، ليوقظ أصحابه لصلاة الفجر، ليُعلي هممهم وفكرهم، وليَدّبروا القرآن وآياته في العظام ... بناء الإنسان وإصلاحه كان يمثل هماً كبيراً لشيخِ الأمة، وكَثيراً كان يُحدث الصِغار قبل الكبار، عن حياته الدراسية ورحلاته المدرسية، إلى قرى ومدن وطنه المعذب، فهو لا يُعادي احد، ولا يَعرف قَلبه سوى الحب والوفاء، حتى انه ينشد السَلام مع الجَميع، وهَمه الوحيد خدمة دينه التليد، وتحرير وطنه الأسير ..
* نسائم الذكرى ورياحينها تَتَعطر، مع تَفتح زُهور الربيع وشققة العصافير بين الأزهار والورود، لتَنقلنا إلى ذِكريات الصبا في فلسطين، ذِكريات عَشقتها قلوبنا، ودَمِعتها عُيوننا، فهذا الربيع الطَلق يَختال ضاحكاً ... من الحُسنِ حَتى كَاد أن يَتكلما..
* راح فكري يسأل نفسه، في ذكرى الشيخ ماذا يَكتب القلم، فقد تاهت الكَلمات وتَبعثَرت الأوراق وانسكب الحِبر على السطور، فالتَاريخ شَامخ البناء والغرس دوماً في نماء .. شَيخي الياسين .. لا يَمتلك لمثلِ قلمي أن يُكتب بباك من شدةِ العَطاء والتَضحيات الجِسام ، والوَفاء للجُيوش والرسالة الشماء.. ويَتلعثم لساني ويتحشرج صوتي ولا امتلك البلاغة لأتكلم في حضرتك .. فأنت سيدُ الكلام ورجل الصَمت المَليء بالحُروف ... فسلام عليك في الخالدين ..
كيف أُسَطر من أحرفٍي، حِكاية صمود شيخنا الجليل، فجدران وأقبية السجون تَشهد، فقضبان السجن صدأت وتعبت، ولم يتعب الشيخ، فهو صاحب الجسد العليل الذي ضرب للعالم المثل في التحدي والإصرار والشموخ، إنها عبقرية الشيخ، إنها حكاية الزمن الأليم .. كيف لي أن اكتب أسطورة الثوار تحلو بها الحياة وتترنم .. جَعل من روحه جسراً يعبر عليه عشاق البندقية .. والهائمون في الكفاح وحب الوطن ..
شيخي الجليل، صَاحب الابتسامة الواثقة والقلب الرحيم … من كرسيه العتيق زلزل الأعداء، ومن كلماته، أضرم النيران في دولتهم الزائلة، لقد أحيت كَلماته قُلوب الشَباب والفتية الصغار،وفهمتها العُقول، لتبني للأمة الحصون ...
* لعلنا الصامتون نبكي على جدار الزمن، ونسكب العبارات على أرصفة المِحن، ليس على شيخٍ رحل، بل على ذكرياتٍ وعِبر، عندما نتذكرها نتلمس الدفء من عبقها والفُضل من دُروسها، وتُشعل فِينا الجِد والعمل لتَحيا بفكرنا الأمم ..