ألعالم الذي سقط سرواله !!
كان ببلاد الشام منذ زمن عالم جليل جمع الله له العلم والحكمة
كان يخطب الجمعة بمسجد في قريته فيجتمع له الناس
يسمعون جميل مواعظه وينيرون بصائرهم بمصابيح علمه و أدبه
وكان لباس عامة أهل هذا البلد سراويل فضفاضة وقمصان واسعة
بيضاء اللون وعمامات ملونة جميلة يتفننون في لفها وتزينيها
ذات جمعة كان ذلك الشيخ يلقي خطبته فوق المنبر وقد تعلقت به
الأبصار و أصاخت إليه الأسماع
وبينما هو منهمك في إلقاء الخطبة انحلت عقدة سرواله فسقط ..
انتبه الرجل لذلك فرفع سرواله وعقده وواصل خطبته
خرج القوم من المسجد وكان بينهم _ كشأن كل قوم _ بعض
ضعيفي العقول فأخذوا يتندرون بسقوط السروال ويتناقلون الخبر
لم يقف الأمر عند حد الفكاهة والتندر بل وجد الحاقدون وأعداء كل
فضيلة فرصة سانحة فأخذوا يلمزون ويغمزون
فقال نفر منهم أن الشيخ تعمد إسقاط سرواله سخرية من عمدة
القرية الجالس بالصف الأول
وقال آخرون بل هو شحيح شديد الشح يرتدي
سروالا قديما تهرأت عقدته فسقط ..و..و..
وصلت تلك الروايات إلى مسامع الشيخ فاستاء لذلك
لكنه أغضى عنهم لعلمه بضعف عقولهم وترفعا
عن الخوض في سقط الكلام
لبث الشيخ فترة متذرعا بالصبر والتغاضي علَ الأيام تفعل فعلها
فيُنسى الأمر ويلتفت الناس إلى ما ينفعهم
لكن مر وقت طويل ولا همّ لذلك
الجمع الحاقد سوى نشر تلك الحكاية ومضغها ليلا ونهارا
نفذ صبر الشيخ ذات يوم فغادر قريته التي يحبها إلى
قرية أخرى بعيدة فأستقبله أهلها استقبالا رائعا وقدموه
ليكون إمامهم وصاروا يتناقلون كلماته بكثير من الإجلال والاحترام
مرت الأعوام وهرِمَ الشيخ فتاقت نفسه ذات يوم إلى رؤية
قريته وقرر زيارتها متخفيا .
وصل الرجل إلى مدخل قريته فوجد لوحة ترحيب تقول :
( مرحبا بكم في سقط سرواله ) !!!!
ذهل الرجل ذهولا لا مزيد عليه وتقدم قليلا فوجد حانوتا صغيرا كُتب
عليه : ( حانوت سقط سرواله ) !!!!
نظر إلى الجهة الأخرى من الطريق فوجد مقهى كتب عليه
( ليالي سقط سرواله ) وإلى جانبه دكان قصاب كتب عليه
( لحوم ودواجن سقط سرواله ) !!!
دخل الحانوت فوجد شابا فسأله عن هذا الاسم وما معناه ....
أخذ الشاب يروي له تلك القصة عن الشيخ الذي سقط سرواله
و يردد نفس الإشاعات البغيضة عن تلك الحادثة ..
قاطعه الشيخ حانقا :
.... وهل رأيت أنت ذلك الحادث ؟!!
قال الشاب : لا يا سيدي فلم أكن قد ولدت بعد ....
في الحياة ستقابل الكثيرين من أمثال أهل هذه البلدة لا همّ لهم إلا
ترديد التوافه والأكاذيب وجعلها عنوان حياتهم
يتجاهلون كل خير وجمال
لأن نفوسهم تخلو من أي خير أو جمال
نصيحة خالصة .... عندما تقابلهم ...
لا تتوقف أمامهم ... واصل طريقك ...
فما هم إلا أحجار صغيره .... في درب الحياة ..