القاهرة – فراس برس: لا يتواني سعيد وهو رجل بلغ أكثر من خمسين عاماً من العمر عن الخروج في ساعات الفجر يومياً، يركب عربة الكارو التي يجرها حمار، قبل ان تبدأ الحركة الطبيعية بنزول السكان الي شوارع غزة بحثاً عن حاويات القمامة، للتنقيب بداخلها عن مصدر رزقه .ويحدثك سعيد الذي ربما يتمكن البعض من رؤيته صدفة عن مرارة الأوضاع الاقتصادية التي المت بأسرته جراء حالة الفقر المدقع التي تعاني منها الغالبية العظمي من قاطني القطاع الساحلي. ويقول انه يضطر للخروج في هذا التوقيت خجلاً من أن يراه أحد وهو يقوم بتفتيش حاويات القمامة ، التي يجمع ما بداخلها من المعادن والبلاستيك، لبيعها لمصانع تعيد صناعتها من جديد . هذا الرجل ليس الوحيد الذي يخرج سراً للعمل، فيقول ان غيره الكثير ممن امتهنوا هذا العمل يراهم في نفس التوقيت، وان بعضهم علم بالمكان المخصص للآخر فتجنب الذهاب اليه. وفي قطاع غزة هناك المئات من الشبان والأطفال الذين يركبون عربة مثل التي يمتلكها سعيد ويجوبون علناً ، الشوارع للبحث عن نفس الأشياء، التي يجدونها في الغالب صدفة في بعض الأماكن بعد أن يكون ملاكها قد تخلصوا منها بسبب تلفها أو كسرها. أحياناً كثيرة يضطر البعض من أرباب هذا العمل الي تكسير عمود أو سقف أسمنتي مدمر، في أحد الأماكن التي تتعرض لاجتياحات اسرائيلية بسبب تعرض بعض المنازل هناك لعمليات هدم للحصول علي ما بداخله من حديد صلب. وتري أصحاب المهنة ، يضعون خلف عربة الكارو أكياسا كبيرة الحجم، أحدها لوضع المعدن، والآخر للبلاستيك، حتي يسهل تحديد ثمنها لحظة البيع. وفي غزة يقولون أيضاً ان هذا العمل الذي امتهنه المئات أصبح مهنة من فقد عمله . ويؤكد سعيد هذا القول، ويشير الي أنه كان يعمل في السابق عامل بناء داخل اسرائيل، ومن ثم عمل في نفس المهنة في القطاع بعد منع اسرائيل دخول عمال غزة لأراضيها. وذكر أنه اضطر لترك عمله بسبب الحصار الاسرائيلي، الذي منعت بموجبة عمليات ادخال المواد اللازمة في عمليات التصنيع، مثل الحديد الصلب والأسمنت. ويشير هذا العامل الي ان له ولدا يدرس بالجامعة وان آخرين ما زالوا في مراحل التعليم الالزامي، وأن هذا هو ما دفعه للبحث عن أي عمل، ودفعه للعمل سراً حتي لا يصبح الأمر مخجلاً لأبنائه .ويقول انه يجني ما قيمته ثمانية دولارات يومياً من هذا العمل، منها ما يخصص لاطعام حماره الذي يجر عربة الكارو .ويعاني قطاع غزة من حصار خانق للشهر العاشر علي التوالي، بحيث لا تسمح اسرائيل بموجبه الا بادخال المواد الغذائية الأساسية والأدوية بكميات قليلة، وقلصت مؤخراً بشكل كبير كمية الوقود المورد للقطاع. وتشير الاحصائيات الي ان هذا الحصار رفع عدد السكان الذين يعتمدون علي المساعدات الدولية الي نحو 1.2 مليون فلسطيني، يمثلون نحو 85% من السكان، منهم 66% يعيشون في فقر مدقع، بعد أن فقد نحو 100 ألف عامل مصادر رزقهم. وبينت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في أحد تقاريرها أن الحصار أجبر ملاك 3500 منشأة صناعية وحرفية، علي اغلاقها، الي جانب توقف العمل في جميع المشاريع الانشائية، والمشاريع التي تقيمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا .ويقول النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية ان القطاع التجاري يوشك علي الانهيار نتيجة التقليص الشديد للبضائع في الأسواق للحد الذي دفع بعض المحلات لان تغلق أبوابها، وقال ان اجمالي المشاريع المتوقفة بلغت قيمتها حوالي 500 مليون دولار. وقبل أيام انتقد مدير العمليات في الأونروا جون كنغ الحصار، وقال انه جعل وضع السجناء في العالم أفضل من وضع سكان القطاع