قررنا التسلية بإجراء مسابقة بين الشبان الفلسطينيين الذين أوقفناهم على الحاجز. قلنا من سيصمد منكم أكثر من غيره سنعطيه جائزة ونطلق سراحه أسرع. وما هو الصمود المطلوب؟ يضع أحد الجنود يديه حول رقبة أحد المعتقلين ويبدأ بالضغط، ونحن ننظر الى الساعة. ويتم تكرار العملية على بقية الشبان، فمن يصمد أكثر من غيره نسرحه ونعطيه حبة حلوى. ماذا يحدث لهم؟ يغمى عليهم بالطبع. المهم من يصمد وقتا أطول قبل أن يغمى عليه»، هذه ليست قصة من الخيال، انما هي رواية حقيقية رواها أحد جنود الجيش الاسرائيلي عن فترة خدمته في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية. وهي واحدة فقط من 97 قصة لا تقل بشاعة، رواها الجنود ونشرتها مجموعة «يكسرون الصمت»، أمس، بهدف اطلاع المجتمع الاسرائيلي عما يفعله جنوده خلال خدمتهم العسكرية. وجاء في مقدمة التقرير الذي يمتد على 108 صفحات: «نحن مجموعة من الجنود والضباط الاسرائيليين الذين أخذوا على عاتقهم أن يكشفوا أمام الجمهور الاسرائيلي طبيعة الحياة اليومية لأبنائه في تلك المناطق، وهي حياة فظيعة مريعة لا تجد لها تعبيرا في وسائل الاعلام. ونحن نريد من ورائها إثارة نقاش بين الجمهور حتى نعرف ما هو الثمن الأخلاقي الذي يدفعه المجتمع الاسرائيلي بسبب وجودنا هناك».وجمعية «يكسرون الصمت» تأسست عام 2004، بعد انتهاء الدورة الأولى من الجنود الذين خدموا في الجيش بعد اندلاع الانتفاضة الثانية. ومنذ تأسيسها أصدرت عدة تقارير وأقامت معرض صور وأجرت عشرات الندوات التي فضحت فيها جوانب عديدة من جرائم الاحتلال. وهي تقول بوضوح انها ليست منظمة يسارية، انما هي منظمة وطنية صرف هدفها منع التشوه الأخلاقي للجيل الصاعد جراء الاحتلال.ومن بين عشرات الروايات التي اوردها التقرير الذي نشر، أمس، نقتطف الشهادات التالية:> عندما تكون في بلدة فلسطينية مثل الخليل أو غيرها، تشعر بانك تمتلك قوة جبارة. فأنت موجود في منطقة معادية، لكنك تحمل السلاح ومعك رفاقك ولديك سيارة عسكرية مصفحة أو أكثر وهم عزل. هذه القوة تجعلك تتصرف، شئت أم أبيت، بطريقة عنيفة متغطرسة.> لا أريد أن أتحدث عن قصة قتل رجال الشرطة الفلسطينيين بالقنص من بعيد، لأن هذه عملية فردية لا تحدث بكثرة. سأتحدث عن العمليات اليومية. نحن جاهلون في فهم الانسان الفلسطيني ولا نعرف كيف نفسر تصرفاته وردود فعله بشكل عام. هذا الجهل يجعلنا ننظر للأوامر المعطاة لنا كما لو انها التوراة. واستغرقت وقتا طويلا حتى أدركت ان الأوامر ليست مقدسة وان عليك الاعتراض على الخاطئ منها. أمرونا بإقامة حاجز عسكري مفاجئ والتدقيق ببطاقات المارة. ويعني ان توقف المرء وتتوجه الى مركز المخابرات وتعطي الرقم والاسم ليوجهونك إذا كان الشخص مطلوبا أم لا. ليس مهما كم من الوقت ينتظرون، وليس مهما ما يسببه تأخيرهم على الحواجز من أضرار لعملهم ولحياتهم، وفي بعض الأحيان لأوضاعهم الصحية. ومن يعترض منهم ويسأل الجندي «إلى متى»، يعرض نفسه للويلات.> قالوا لنا أدخلوا الحي الفلاني واجروا مسحا. والمسح هو عملية اجتياح تفصيلي، أي ندخل عمارة عمارة وبيتا بيتا وغرفة غرفة، نحصي عدد سكان كل بيت بمن في ذلك النساء والأطفال. والغرض هو أن نعرف تفاصيل حياتهم من أجل المستقبل. المشكلة عندما يطلبون منك أن تقوم بهذه المهمة في المساء ويحددون لك ثماني ساعات متواصلة. هذا يعني ان تدخل البيت في منتصف الليل وحتى الساعة الثانية فجرا. فكيف تدخل بيتا في ساعة كهذه. كيف تدب الفزع في نفوس الأطفال. لقد اعترضت مرة وسألت لماذا لا نكمل المهمة في نهار اليوم التالي؟ فرفضوا قطعيا. > بمحاذاة بيوت المستوطنين في الخليل يوجد بيت عربي. الجيش أغلق شبابيك البيت الفلسطيني بصفائح الحديد حتى لا يروا ما يجري في الحي اليهودي. أما اليهود فهم أحرار. ذات يوم جاءني صاحب البيت الفلسطيني يشكو: «لقد فجروا لي البيت». لم أصدقه في البداية. لكن عندما تحريت وجدت فعلا ان جدار بيته كسر كما لو انه تعرض لقصف بالصاروخ. وتبين لاحقا ان المستوطنين دكوه بواسطة جهاز حفر كهربائي. وغضبت منهم فعلا. لكنهم ادعوا ان طفلا في الثالثة عشرة من عمره هو الذي فعل. ونحن لا نستطيع محاسبة الأطفال. فاستدعيت ضابط الأمن في الحي، وهو مندوب وزارة الدفاع، فقال انه ستصرف. وانتهى الأمر. لم يتصرف. > كان لدينا قائد مجنون. أمرنا بدخول احياء فلسطينية من دون سيارة. ففهمنا القصد. أوقفنا سيارة أجرة، وأمرنا صاحبها: خذنا الى أكثر حي في الخليل يكرهون فيه اليهود. اعترض، فأفهمناه أن بمقدورنا قتله. أخذنا الى أحد الأحياء. أوقفنا حركة السير ونصبنا حاجزا. اعترضنا طريق الكثيرين. ضربنا عددا من المارة. أحد الشبان الفلسطينيين اعترض، فأمسك به أحدنا وراح يبرحه ضربا ورفسا، ثم انقض على رقبته ليخنقه. لاحظنا أن لون بشرة الشاب يزرق. فخفنا أن يموت بين أيدينا. حاولنا أن نفسح بينهما. فلم نفلح. فقط بالقوة أزحناه. شاب ثان أمسك به من كف يده وظل يلوي به حتى شعر بأن يده انقطعت. ثم عدنا الى المعسكر، ليروي للجنود ما حصل وهو يتباهى.*تقرير لمنظمة «يكسرون الصمت.