بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } فقد اشترط هنا للمحبة غفران الذنب
وقال تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } ومعناه إذا أحبه تاب عليه قبل الموت . وقال زيد بن أسلم : إن الله يحب العبد حتى يبلغ من حبه أن يقول اعمل ما شئت فقد غفرت لك . ومحبة الله سبحانه وتعالى للعبد لا تفهم إلا بهذا المثال : وهو أن الملك قد يقرب عبده من نفسه , ويأذن له في كل وقت في حضور بساطه , لميل الملك إليه , إما لينصره بقوته , أو ليستريح بمشاهدته , أو ليس?شيره في رأيه , أو ليهيء أسباب طعامه وشرابه , فيقال ان الملك يحبه . ويكون معناه ميله إليه لما فيه من المعنى الموافق الملائم له . وقد يقرب عبداً ولا يمنعه من الدخول عليه , لا للإنتفاع به , ولا للإستنجاد به ولكن لكون العبد في نفسه موصوفاً من الأخلاق الرضية والخصال الحميدة بما يليق به أن يكون قريباً من حضرة الملك ؛ وافر الحظ من قربه , مع أن الملك لا غرض له فيه أصلاً , فإذا رفع الملك الحجاب بينه وبينه , يقال قد أحبه . وإذا اكتسب من الخصال الحميدة ما اقتضى رفع الحجاب , يقال قد توصل وحبب نفسه إلى الملك فحب الله للعبد إنما يكون بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأول , وإنما يصح تمثيله بالمعنى الثاني بشرط أن لا يسبق إلى فهمك دخول تغير عليه عند تجدد القرب . فالله سبحانه وتعالى يتودد لعباده الذين يحبهم , وإن رءاهم على منكر قام بتنبيههم وذلك بإرسال الرسائل إليهم , وهذه الرسائل إما أن تكون بموت شخص أمامه فيتذكر أن الدنيا فانية وأن مصيره مثل هذا الشخص في النهاية فماذا سيفعل ساعتها ؟ واما أن تكون بمرض حتى يرتدع الشخص ويذكر تقصيره في حق ربه تعالى ويتوب ويرجع إلى الله . فهناك عدة أنواع من الرسائل تختلف بحسب حالة العبد العاصي أو العبد الناسي والساهي , وأسرد لكم في هذا الموضوع حكايتين تدلان على رسائل الله سبحانه وتعالى لعباده : يقول أحد التائبين : كنا مجموعة شباب في الجامعة , وكان لا هم لنا في هذه الحياة سوى ماذا سنفعل آخر الليل وكيف هي السهرة التي نسهرها وماذا نعمل فيها , يقول : فكنا إذا جاء الليل نجتمع عند أحد الشباب وكنا ندخن ونشرب 'بانجو' وحشيش ... إلخ من المسكرات والمخدرات فكنا نشعر بمتعة كبيرة في ذلك , وكنت لا أصلي ولا أهتم بالصلاة أصلاً , وإذا صليت فرضا لا أصلي الآخر مع العلم أن أبي رحمه الله كان رجلاً متقي وكان لا يضيع فرضاً وأكثر صلاته كانت في المسجد وكان دائماً يحثني على الصلاة , فكنت أصلي أمامه فقط , المهم رجعت في أحد الأيام آخر الليل إلى المنزل فأحسست بضيق في صدري وشعرت أن البيت مظلم مع كل هذه الأنوار , وشعرت أن الموت قريب مني , فقلت في نفسي إن شاء الله سأترك شرب البانجو , المهم فاستيقظت في الصباح فّاذا أحد الشباب يتصل بي ويخبرني بأن صديقنا محمد مات . مات ؟ لقد كنا بالأمس معاً ماذا حصل ؟ .. الظاهر أنه قد شرب من هذه المخدرات جرعة كبيرة فتسببت بموته , فذهبنا والشباب إلى منزله وهو على فراشه قلبته يميناً ويساراً لا فائدة ولا حركة ثم فكرت ماذا سأفعل وأنا في موقفه لا أحد لي ولا عمل ..... ثم ذهبنا وصلينا عليه صلاة الميت _ وكانت أول مرة أصلي فيها صلاة الميت _ وانتهت مراسيم الدفن . ثم بعد ذلك تركت البانجو كما قلت , ولكني صرت أشرب أشياء أخرى .. ومرت الأيام وتخرجت من الجامعة وعملت في مجال دراستي , وأصبحت سهراتنا أكثر متعة فكنا بذهب إلى الديسكو ونتعرف على البنات وهكذا ..... وفي أحد الأيام بينما كنت ماشياً مع صديق لي إذا به يقع في حفرة ويموت . وهذه ثاني رسالة من الله سبحانه وتعالى ولكن لم أنتبه ولم أعِ _ ومرت الأيام .. ثم اقتضت ظروف العمل مني السفر للخارج فسافرت وأصبحت المعاصي أكبر وأعم .. ثم ذات ليلة رأيت والدي في المنام وحاولت أن أقترب منه وأضمه إلى صدري فأعرض عني ولم يرض مخاطبتي , فجلست أبكي .. وبعد ذلك بأيام اتصلت أختي وقالت : لقد رأيت والدي في المنام وهو غاضب منك فانظر لماذا أغضبته ؟ ... ففكرت في نفسي وأعدت حساباتي وتذكرت شريط حياتي , وقررت من بعدها التوبة الخالصة لله سبحانه وتعالى .. والحمد لله رب العالمين ... وتقول إحدى التائبات : كنت أمشي سافرة بغير حجاب , كنت ألبس القصير والضيق والعاري , وأخرج مع الشباب , كنت أفعل ما يحلو لي ولكن كانت بداخلي غصة , كنت أشعر بضيق في صدري , وكنت أخاف كثيراً من عذاب الله وكنت كلما نظرت إلى السماء أبكي .. ثم ابتلاني الله بمرض خطير جداً وأصبحت أيامي في الحياة معدودة , بعدها قررت الحجاب والإلتزام وندمت على ما فات من عمري وصرت أدعو الله أن يمد لي في عمري حتى أكثر من العمل الصالح وأعوض ما مضى .. والحمد لله رب العالمين .... قال صلى الله عليه وسلم : { إن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب }