أقدم تيطس الروماني على تدمير القدس عام 70م ولم يترك فيها حجراً على حجر, وبطش بالذين حلوا بها من اليهود. وأما هدريان فقد ذبح جميع الذكور المنحدرين من أصول يهودية أثناء تدمير القدس عام 135م وغير اسمها إلى "إيليا" على اسم والدته, وكتب على باب النصر "حتى الأجنة التي تولد من بطون أمهاتهم وأن اتبعوا ديننا لا يحق لهم دخول إيليا", وعمد إلى حرق القدس وحرثها بالمحاريث فماذا حصل للهيكل المزعوم يا ترى؟
شهدت القدس كارثتين في 65سنة فأين هي آثار الهيكل؟ وتنصرت القدس في القرن الرابع ولم يدخلها يهودي لقرون, وفي عام 614م اجتاحها الفرس بمساعدة يهود بابل الذين لم يسمح لهم بدخولها إلاّ في 621م, وفور دخولهم حدثت الفيوضات النورانية بحصول الفتح المحمدي, عبر حادثة الإسراء والمعراج التي هيأت للرسول صلى الله عليه وسلم دخولها جسداً وروحاً في منتصف الدعوة النبوية تماماً التي استمرت لمدة 23عاماً, وهذا من لطف الله الذي أمر بالصلاة في ليلة القدس أيضاً لتبقى للقدس صلة مع تواصل المسلم بربه الذي لم يقبل جلّ في علاه أن تكون لليهود يد على القدس عام 621م لأنها إحدى معاقل التوحيد الثلاثة.
وعبر القرون توالت الفتاوى حول ضرورة بناء الهيكل والذي أصّل لذلك موسى بن ميمون الطبيب اليهودي في البلاط الأندلسي الذي زار القدس عام 1267م ولفت انتباه اليهود إلى ضرورة بناء هيكل ليكون رمزاً لوحدتهم. هيكل مركزي وحيد موحد يكون بديلاً عن أماكن عبادتهم في الكنس, بحيث يتوقف عصر الحاخامات ويبدأ عصر الكهنة ممن يعودون بالعبادة من بدعه المزامير إلى عادة تقديم الأضاحي والقرابين. واختلفت في الهيكل الأفهام وتنوعت الرؤى وتعددت الفتاوى غير أن إقدام أوروبا المسيحية على دفع اليهود إلى داخل العمق العثماني لأسباب مفهومة أذكت من جديد مشاريع بناء الهيكل إلى أن ابتدع لهم أحد الحاخامات عام 1567م فكرة النواح عند حائط البراق الذي سموه المبكى, ومنذئذ وهم يملؤون العالم عويلاً وبكاءً ونواحاً "لأجل الهيكل العظيم نبكي وحدنا وننوح".
وهذا الأمر لم يذكر في التوراة أو التملود أو المشناه أو المكراه أو الشيخناه أو غيرها من كتبهم, ولكنها الحاجة إلى بناء سياسي وعمارة سياسية تجمع شتاتهم في مشروع سياسي يكون لهم فيه الكلمة العليا. وتعددت المحاولات والمؤامرات التي كان اخطرها مؤتمر سالزبورغ بقيادة الحاخام ديفيد هيرش عام 1731م. ولكن تيودور هرتزل كان الأخطر لأنه لخص الآليات اليهودية لبناء الهيكل في كلمة واحدة هي "الدولة اليهودية". ولقد خدمته الظروف السياسية لتكريس مشاريعه الكريهة لشطب فلسطين وإقامة "إسرائيل" كوسيلة لإقامة الهيكل الذي لم تكن حاجة حضارية أو فريضة دينية أو ضرورة تلمودية, بل أملته المصلحة االسياسية, فالرجل علماني وكل قادة إسرائيل علمانيون, ولكنه قال مقولته المشهورة عن العقائد اليهودية: "أعلم أنها أساطير ولكنها نافعة لإقامة الدولة.
ومنذ أن رفع هذا الرجل راية الدين اليهودي على سارية المشروع الصهيوني أدخل البشرية في أهوال لا يعلم نهايتها إلا الله ودخل اليهود لأجل ذلك في نسيج الأمم واخترقوا الدول والمذاهب لأجل مشروعهم المشؤوم, ولم تسلم منهم حتى الكنائس الغربية التي تصهين بعضها تماماً وأخذ يؤمن بأن تأسيس إسرائيل سيعجل بالمجئ الثاني للمنقذ. وبعضهم يقول:"إن الله لا يحب من لا يحب إسرائيل". وآخرون يزعمون:"بأنه من العار أن ينزل المنقذ ولا يجد الهيكل!!". وهناك حركات ارتبطت بالكامل بالصهيونية مثل هيئة سفراء المسيح, وهيئة السفارة المسيحية التي مركزها "أورشليم", وهناك نشطاء الألفية الذين تتلخص فكرتهم بأن المسيح سيأتي مرة أخرى وسيحكم لألف عام ذهبية ويعيد بناء الهيكل اليهودي. وأشرس هؤلاء هم المحافظون الجدد الذين يتحكمون في 40% من قرار الإدارة الأمريكية عبر الكونغرس والإدارات التنفيذية الأساسية في أمريكا وامتدادها البروتستانتي الإنجليكاني في بريطانيا واستراليا.