بدأت الهجمة الغربية للتنقيب في عام 1838م بتسهيلات من إبراهيم باشا بن محمد علي الكبير الذي احتل فلسطين, وأباد جموعاً كبيرة من المسلمين وصلت في القدس ذاتها إلى 50% من الذكور فيها, ومنح اليهود لأول مرة حق التمتع بخدمات الإرساليات وحماية القنصليات وتملك العقارات, ونشط اللورد مونتيفوري اليهودي الإنجليزي الذي استطاع بطرق مختلفة بناء أول حي يهودي خارج أسوار القدس مدعوماً من المتصهين بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا آنذاك. وبدأت عملياً صهينة وتهويد فلسطين. وأخطر من ذلك تم إنشاء صندوق استكشاف فلسطين عام 1865م لاستكمال التنقيبات التي بدأها اللاهوتي الأمريكي روبنسون عام 1838م. ومنذئذ توالت "55" بعثة تنقيب للبحث المحموم عن أية بقايا للهيكل, فلم يعثروا على أية دليل يسعفهم في أكاذيبهم التي تتناسخ يومياً على نحوٍ متناقض. لقد اخترقوا "22" طبقة أثرية ولم يعثروا على آثاره من تاريخ تخدم افتراءاتهم المتوالية عن الهيكل.
ولقد حسم الأثري تشارلز ورن أمر الهيكل بعد طول بحث, حيث اعترف بأنه فشل في اكتشاف ولو مجرد حجر واحد من تلك الفترة, وإن المعلومات التوراتية لم تصمد للبحث العلمي, لقد فحص ورن كل الحفر والآبار ومسارات الأنفاق ولكنها لم تسعفه في تقديم دليل واحد على مصداقية التوراة أو التلمود, أكثر من سبعين اثرياً يهودياً عملوا لسنوات طويلة بدون نتيجة, مما حدا ببعضهم مثل هرتزوغ ومئير بن دوف وعالم الآثار البروفسور فنكلشتاين إلى الاستنتاج بأنه لم يكن هناك أية هياكل في منطقة الأقصى, وهذا ما شهد به ديسولسي والعالم الإنجليزي الكبير د.مارتن. تقول كاثلين كينيون: ((... لم يبق شيء في داخل المدينة من عهد سليمان أو سلفه أو خلفه)), ولذلك نجد اليوم عدداً كبيراً من العلماء الأثريين من ينكر صحة وجود االتوراة تاريخياً وجغرافياً وحتى أثرياً بسبب الخيال الواسع لمؤلفيها. والشيء الذي لم يذكره أن أسفار العهد القديم رغم أنها مزيفة إلا أنها لم تشر ولو لمرة واحدة أن الهيكل كان داخل مدينة القدس, وهناك من الهيود من يظن أنه كان في نابلس.فالأمر ببساطة أنهم يعملون لبناء الهيكل في المكان الخطأ كما بحثوا عن سابقيه في المكان الخطأ.
لذلك عمد اليهود لإعداد مجسمات عن الهيكل الذي يسعون لإقامته في منطقة المسجد الأقصى, كما تم إعداد مجسم نقل الصخرة إلى موقع آخر, كما يوجد في متحف القلعة مجسمات ومصورات جاهزة تشير إلى أن مدينة القدس ستكون مدينة يهودية المنهج ويهودية النمط ويهودية التاريخ ويهودية الحضارة ويهودية الماضي والحاضر والمستقبل. ويعتقد كثير من المختصين أنهم لا يبحثون عن هيكل مفقود بل يبغون طمس المقدس الإسلامي الموجود عبر تدمير أساسات الأقصى بالأحماض القلوية والمذيبات الكيماوية, وهذا ما بدأ يحصل بالفعل منذ انهيار الطريق المؤدي الى باب المغاربة فجر الأحد 15/2/2004م بسبب أعمال الحفر المستمر تحت الأساسات.
لقد حفر علماؤهم في مواقع متعددة تحت أو حول المسجد الأقصى ولم يعثروا على أي نمط أثري أو تاريخي يعود للهيكل, ولذلك نقبوا في الأنفاق وبحثوا في القنوات السفلى ولم يوفقوا, فعمدوا إلى تغيير المسميات والمصطلحات لكي يسوقوا القدس عبر نمط ديني وثقافي مرجعيته العمارة والهندسة التوراتية المزعومة. إنهم يترجمون القصص والأساطير التي وردت في التوراة ويسقطونها على الواقع الأثري القائم دون الاعتماد على أية قاعدة علمية أو منهجية, وينشرون ذلك باللغات الحية. والمؤسف أنه لا يتصدى لتلك التوجهات المعوجة أحد من المسلمين مع أنهم يتطاولون على الحقيقة ويتوسعون في تهويد كل ما يعتقدون انه حيوي ومهم في تحقيق نظرتهم الدينية والقومية.
أن منهجهم قائم على تجريد الأرض الفلسطينية من هويتها مثلما جردوا الشعب الفلسطيني من أرضه ومثلما يحاولون تجريد الفلسطينيين من حقوقهم ومشاركتهم في أخص خصوصياتهم.
والمأساة أنهم أنشؤوا تاريخياً جديداً, ونحن بدورنا نسوق لهم هذا التاريخ القائم على إثبات صحة ما ورد في العهد القديم "التوراة" بمعنى أن القدس هي لليهود فقط وأن أي حضارة نشأت في فلسطين هي حضارة يهودية ليس إلاّ.
والكارثة أن كثيراً من علمائنا إذا كتب عن تاريخ فلسطين لا يعتمد إلاّ على المصادر اليهودية ولا يثبت إلاّ المرويات اليهودية مع أنها زائفة.