-
أمناء جبل الهيكل
على رغم أن المطالبات اليهودية بإعادة بناء الهيكل المزعوم قديمة، إلا أنها محط اختلاف بين الجماعات اليهودية، إذ يربطها البعض بعودة "المسيا" المخلص، فيما يرى آخرون ضرورة الشروع بخطوات عملية لبناء الهيكل تبدأ بهدم المسجد الأقصى.
بعد احتلال القدس عام سبعة وستين، ظهرت هذه الخلافات جلية، واكتسبت طابعا عمليا بعد أن كانت محصورة في إطار " جدل ديني" امتد الآن، ليجد حلا للسؤال: هل من المسموح دخول اليهود إلى منطقة الحرم، بوصفها قدس الأقداس قبل عودة المسيا أم لا ؟ جاءت الإجابات مختلفة، وبعد ثلاثة أيام من احتلال شرق القدس أقام الحاخام شلومو غوريون شعائر صلاة يهودية بالقرب من حائط البراق.
حاول شلومو غوريون بوصفه حاخاما أكبر، آنذاك، المسارعة لإرساء وقائع جديدة، فقام في منتصف حزيران من عام سبعة وستين، مع بعض أتباعه، بأداء طقوس صلاة يهودية داخل ساحة الحرم القدسي، وأعلن أن " بعض أقسام منطقة الحرم، ليست من أقسام جبل الهيكل، ولذلك فإن تحريم الشريعة اليهودية لا يشمل تلك المناطق، وادعى أنه توصل إلى تحديد هذه الأقسام بعد القيام بقياسات وشهادات تستند إلى علم الحفريات.
في هذه الأجواء ولدت منظمات صهيونية أعلنت أن لها هدفا محددا، وهو العمل على إعادة بناء الهيكل، بعد هدم المسجد الأقصى، وبرز من هذه المنظمات، جماعة أطلقت على نفسها اسم" أمناء جبل الهيكل" ويتزعمها حاخام إرهابي يدعى غرشون سلمون، والذي يعتبر أن من الضروري القيام بتفكيك حجارة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ونقلها إلى مكة، ثم بناء الهيكل مكانهما.
تعتبر جماعة " شلمون" أن ميدان عملها الأساسي هو السعي لإعادة بناء الهيكل، وتعمل من أجل ذلك في أكثر من اتجاه، فهي تقوم بالتظاهرات وتنفذ اعتداءات على الحرم، وتسعى لاستصدار قرارات قضائية بالشروع في عمليتي الهدم والبناء، أو أقله استصدار قرار بتقاسم الحرم القدسي مع المسلمين.
كما تعمل الجماعة بقيادة شلمون على تزييف دراسات وأبحاث، تقول إنها قامت بها لتحديد المكان الأصلي للهيكل المزعوم.
في عام ستة وثمانين وتسعمائة وألف، دعا سلمون إلى اجتماع حضره أربعون حاخاما وترأسه الحاخام شلومو غوريون، بالقرب من الحائط الغربي للحرم الشريف.
قدم سلمون بحثا إلى الاجتماع، قال فيه إنه يسمح لليهود بالدخول إلى الحرم الشريف من باب المغاربة باتجاه الشمال بعمق ثلاثة وخمسين مترا باتجاه الغرب، وبعمق اثنين وخمسين مترا باتجاه الجنوب.
نجحت هذه الجماعة في إقامة تجمعات عند باب المغاربة، وسعت غير مرة إلى اقتحام الحرم القدسي أو وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم، وهو ما أدى إلى مواجهات عنيفة سنة تسع وثمانين، وإلى مجزرة سنة تسعين في الحرم القدسي.
عام ثلاثة وتسعين وتسعمائة و ألف أصدرت ما تسمى محكمة العدل العليا في الكيان الصهيوني قرارا باعتبار الحرم القدسي جزءا من مساحة دولة "إسرائيل" تسري عليه الأحكام والتشريعات "الإسرائيلية"، كما اعتبرته المحكمة مكانا مقدسا للشعب اليهودي حسب قولها.
شجع هذا القرار جماعة أمناء جبل الهيكل على تجديد مطالباتهم المستمرة، ولكن مستندين إلى هذا القرار الجديد، وإلى تصريحات لاحقة للإرهابي نتنياهو قال فيها: يجب ترتيب صلاة اليهود في جبل المعبد، خصوصا أننا نسمح بحرية العبادة لكل الأديان في القدس". وكذلك إلى دعوة أحد القضاة الصهاينة: مناحيم آلون ، إلى تقسيم الحرم القدسي.
ومن نفس المحكمة العليا حصلت جماعة سلمون على موافقة بوضع حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث في القدس المحتلة على أن لا يكون البناء في الحرم القدسي الشريف.
كان القرار هو الأول من نوعه من هذه المحكمة الصهيونية، وهو فجر ردود فعل غاضبة لحظة صدوره أواخر تموز من عام ألفين وواحد، على أن ينفذ في نهاية الشهر نفسه.
تداعى الفلسطينيون للدفاع عن القدس في الموعد المحدد لوضع حجر الأساس للهيكل المزعوم، ورغم تدخل أعداد ضخمة من الجنود الصهاينة، فقد أفشل الشعب الفلسطيني المخطط الجديد، واضطروا الجماعة الإرهابية إلى أن تعيد حجرها إلى المكان الذي جاءت به منه، بعد مواجهات عنيفة بين المصلين في الحرم القدسي والمحتشدين حوله، وبين جنود الاحتلال.
بعد أشهر من ذلك، سمحت المحكمة الصهيوني لجماعة سلمون، بإقامة احتفال رمزي لوضع حجر الأساس وقامت شرطة العدو بإغلاق القدس على أهلها لتيسير أمر هذا الاحتفال، دون وضع الحجر بشكل فعلي.
ولا تزال تلك الجماعة مع ذلك، تواصل الإعلان عن نيتها، هدم المسجد وإقامة الهيكل.